صندوق أكاذيب

....لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم… لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات… وصندوق أكاذيب… لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل… تفشى الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب… انتزعت القِلة المستغِلة منا الروح… الواقع مرعب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت. لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته. لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكر ويشجب، فلم يعد هذا يجدي، لن أطالبكم بشيء. فأنتم أدرى مني بما يجب عمله....
من كلمة صنع الله ابراهيم بعد رفضه أستلام جائزة ملتقى الرواية العربية

تجتاحنى مؤخراٌ رغبة فى "طق حنك" ، لم أجد أفضل من كلمات صنع الله أبراهيم لتعبر عنها ، وتحديدأٌ لفظ "صندوق الأكاذيب" ليصف الوضع الحالى ، لكننى كذلك قررت أن أفعلها هذه المرة وأتكلم ..
وليكن كلامى بلا ترتيب ..
ساقنى القدر ورغبتى فى سماع الموسيقى الى حفل سعاد ماسى بالقلعة ، ويا ريتنى ما رحت ...
مثال حى لفشلنا فى تنظيم أى شيئ ولو حفلة موسيقية صغيرة ، الأبلغ تعبيرأ كان الموقف التالى :
بعد أن قرر أبله ما أن تقام الحفلة المتوقع لها حضور جماهيرى ضخم فى أضيق مكان بالقلعة على طريقة "سايبين الشقة كلها وقاعدين فى أوضة" ، ثم تلاه أبله أخر وضع عدد محدود من الكراسى أمام خشبة المسرح فى حفل "ع الواقف" ، تدخل الفنانة فيقوم الجالسين على مجموعة الكراسى بالوقوف فوقها "والباقى يولعوا" فلا يشاهد باقى الحضور غير سلويت لمؤخرات البهوات الواقفين على الكراسى..
وبعدين.. يثور مشاهدى المؤخرات الواقفين بالخلف فيقوموا يرشوا الواقفين على الكراسى بالمياه المعدنية فى مشهد لم أشاهده الا فى مدرجات الدرجة التالتة باستاد القاهرة (ده طبعاٌ قبل ظهور موضة مزز الأستاد اللاتى أكتشفن فجاة رياضة حديثة أسمها كرة القدم)
السادة أبطال المشهد المفترض انهم صفوة المجتمع ،" المسكفين"، اللى بيسمعوا مزيكا ، وأزايز الميه اللى فضوها على بعض ب 10 جنيه الأزازه...
واحدة من الواقفين ورا خبطت على كتف واحدة من اللى واقفين على حاجة وقالتلها "لو سمحت ممكن تنزلى احنا مش شايفين حاجة" ردت الأنسة "هيا أنانية بس أنا عايز أشوف" !!!!!!!!!!

وفى الحفلة المشئومة ولأنى كنت واقف مع أتنين أعرفهم (وهما بالصدفة بلوجرز) ، حد معرفوش تماماٌ سألنى "وكريم بأه البلوج بتاعك أيه"...

مفهمتش ليه لازم أكون بلوجر، ولا ان البلوج جزء من تعريفى بنفسى ، ولا انو أهم من أنا بشتغل أيه ولا أعرف الناس منين، ولكل الأسباب دى بالأضافة انى مش من اصحاب البلوجز السياسية أو الجاهيرية وكمان بالأضافة للغتاتة الفطرية اللى عندى ، رديت "لأ أنا ماليش فى الحاجات دى"

وبعدها بكام يوم سمعت قال أيه ... هيعملوا نقابة للبلوجرز... يا حلاوة..

الموقف الأظرف على الأطلاق هو الذى حدث مع أحد أصدقائى بالأمس ، فاتحتها صديقة أخرى بأن "عندى ليكى عريس ، عايز واحدة متفتحة وملتزمة وبلوجر" !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

يمكننى أن أتفهم أشياء مثل لقاء المدونين أو ندوة عن التدوين فى مصر لكن نقابة ، هل نفهم حقاٌ ما هى النقابة ؟ ثم هل نفهم ما هى البلوجز؟ هل حدث فى أى دولة أن أنشئت نقابة للبلوجرز ؟؟ متى سنقيم نقابة مستخدمى ال msn وأعضاء ال facebook ؟

يا جدعان البلوج ده على ما فاهم خدمة ظريفة واحد يحط عليها كتاباته ، ارائه ، مزيكا ... مساحة لطيفة تعبر بيها عن نفسك والناس يشاركوك ، بس خلصت.... أنما أنا معنديش تفسير للتهويلات دى غير ان الناس مش عارفه تلاقى نفسها ولا تعبر عنها ولا تحقق نجاحات ولا شهرة ولا تلفت النظر الا من خلال صفحة على الأنترنت ، أنا مش بهاجم الناس دى ، لكن انا شايف أن ده جزء من صندوق الأكاذيب ، أحنا مش عارفين نعيش فى البلد فقررنا نعيش على الأنترنت ، قعدينا بنغنى على بعض ونصقف لبعض واللى يعمل فنان والى يعمل مناضل ، صدقنا نفسنا ، قالها مرة "lonewolf" زمان واصفاٌ المظاهرات : شوية كلاب بتهوهو فى أوضة ضلمة ...

البلوجز وغيرها وهم عملناه لنفسنا ، أفيونة كل يوم .. الناس بتكتب قصايد ركيكة وكلها أخطاء أملائية ولغوية وأخش ألاقى الناس نازلة أشادة وتهييص ، عيال قريت كتابين بنص جنيه من ألأتوبيس بتفتى فى الدين وتدى محاضرات ، مناضلين أيه بأه مأقولكش، تكتشف أنك ابن الكلب الوحيد الصايع هنا وأن كل الناس مهمة ، وان عندنا عرابى ومانديلا و ميل جيبسون فى القلب الشجاع بس احنا اللى جهلة ...

أنا مش بكتب ده علشان انا عارف اللى الناس مش عارفاه ، وأنا واقع فى نفس الوهم ، بس أنا عايز أفوق ... حد عايز يفوق ؟!!

البلوجز وحفلة سعاد ماسى و الشوارع المرور والفن بتاع اليومين دول والمؤتمرات وغيره ، كله جزء من صندوق الأكاذيب ومؤشر واضح للأنهيار اللى وصلناله واللى لسه هنوصله ، ليه متشائم ؟! علشان الأسوء أن الناس مبسوطة ومشاركة بكل قوة فى صناعة الأنهيار والأكاذيب .. خش ببوز عربيتك .. قوم اقف واللى وراك يولع .. يلا نهول وننفخ فى صورة بعض ...

لذلك فالأسوء لم يأتى بعد ...

ألا أذا كنت طبعاٌ من منتظرى النهضة اللتى يعد بها عمرو خالد خلال 20 سنة ،أو أنك أشتركت بأمسيات أبراهيم الفقى أو غيره لتشعر أن كله تمام وأن الطاقة العصبية البتنجانية داخلك ستغير العالم (تذكرنى موضة التنمية الذاتية بفيلم النوم فى العسل عندما خرج وزير الصحة على الناس ليطلب منهم الوقوف أمام المرأة وترديد "أنا كويس أنا جامد أنا بمب")

ونحن الأن فى الطريق للتحول لمجموعات صغيرة مفتتة ، كل مجموعة ترتاح لأكذوبة معينة ويصفقون ويهللون لبعضهم البعض وبالطبع .. الأخرون فى النار

مجموعة المسكفين ، مجموعة البلوجرز ، مجموعة اللادينين ، البنات التى ترتدى الخلاخيل وملابس الغجر ، الرجال الذين يرتدون الشبشب أبو الصباع ، البنات اللى بتسب الدين...

مجموعة "واعدوا" ، مجموعة المسلمين الشيك (يتحدثون الأنجليزية بطلاقة تجدهم فى امسيات التنمية الذاتية ونوادى الصفوة وجامعات الصفوة) ، مجموعة فقراء المسلمين، مجموعة "جزاك الله خيراٌ يا أختاه والأدعية اللازمة للتعجيل بالعريس"

أو تنضم للقاعدة العريضة من المصريين وشعارها "محدش فاهم حاجة يبقى يلا كلنا نفتى" و "لقمة العيش" و"ان كان ليك عند الكلب..."

أنا ضد فكر ال stereo typing ولا أحب أن أفكر فى الناس طبقاٌ لتصنيفات مسبقة و كنت أظن اننا يجب ان نحارب فكر ال stereo typing لكن الحقيقة اننا قتلنا قيم الفردية والتميزوأصبح لزاماٌ على كل انسان الأنضمام قلباٌ وقالباٌ لأحد الجماعات وألا عانى من النبذ وأصبح لزاماٌ على الأخر ان يصنف الأخرين حتى يقبل أو يرفض الأنضمام للجماعة الذين ينتمون اليها

تبأٌ .. جعلتمونى أنساناٌ أسوء

لذلك فأنا انصح نفسى وأياكم بأن نصمت قليلأ ونفكر كثيراٌ ، وكل واحد مع نفسه ، ممكن كل واحد مع نفسه ؟!!