أرض الفحل

كنت طفلا صغيرا لم يتجاوز عمرى الست سنوات , إلا اننى أذكره على سيرته الأولى جيدأٌ ، كان سيد فحلا بحق يتجاوز طوله المترين بقليل وعريضاٌ بشكل مخيف ولذلك اطلق علية أهل الحارة اسم الفحل

ولم يكن الفحل قويا ولا من ذوى العضلات كان على كتلتة المخيفة كشوال من اللحم ، وللعجب كان سيد سريع الحركة و عندما تجرى هذة الكتلة من اللحم الرخو تثير فزع السائرين فى الحارة خاصة من لا يعرفون سيد الفحل من الزائرين

كان سيد ابلهاٌ عبيط الحارة وكان يجرى من حين للأخر ويخطف برتقالة أو غيرها من عم عبد الصمد الفكهانى ، يجرى كعربة قطار كبيرة مسرعة ثم يخطف البرتقالة ويأكلها بقشرها فى بلاهة ويهم صبيان عم عبد الصمد بالجرى وراءه لتأديبه فينهرهم الحاج ويقول فى تأنى
"دة عبيط ، سيد الفحل عبيط ، سيبوه ده ما بيأذيش حد"

وكان سيد احيانا اخرى يجرى جريته الشهيرة فينزاح المارة عن طريقة مرغمين ويجرى ناحية احد الأولاد الصغار او حتى بعض الكبار من المتعجرفين المختالين دون سواهم ثم يصفعه بيده الغليظة على قفاة وما ان يهم المضروب بالفتك به حتى يتصدى له كبار الحارة وعقلائها ويحولون بينه وبين سيد قائلين
"حد يعمل عقلة بعقل عبيط ، الفحل عبيط ، ما بيأذيش حد"

.....................................................................................

لم يعر أحد انتباها لشوقى احد صبيان الحاج عرفة العطارعندما قال انة شاهد سيد قرب المخزن المسروق ليلة سرقتة ، كانت السرقات قد كثرت فى الحارة والحارات المجاورة وتزامنت ايضا مع بعض اعمال البلطجة وكأن الشيطان تذكر فجأة ان يزور ناحيتنا

كان يوم أن نطق الفحل يوما مشهودا وقف أعلى تبة خلفها حفر قديم وظل يتهته ويقول ما معناه انه مسؤل عن كل السرقات بالحارة وانة يأخذ حقه من الحارة التى اهانتة كثيراٌ وهزئت به طويلاٌ
ظل المارة يضربون كفا بكف ولكنهم كانوا يكملون سيرهم ، واصحاب المحال غير مصدقين ، والكل تعامل مع هذة الخطبة على انها من خيالات وبلاهات الفحل ولم يأخذ كلامه أحد بمحمل الجد
إلا ان الفحل انفعل وتعالت تهتهته فاطلق احد اهل الحارة وكان يدعى سليمان تعليقا ساخرا اضحك الواقفين ، فأنطلق الفحل بجريتة الشهيرة وحاول سليمان تفاديه وهم بالجرى ، إلا ان الفحل طوح يدة الغليظة لتصيب قفا سليمان الذى كان يجرى امامه فسقط سليمان على وجهة ثم قفز الفحل بكتلته المهيبة فوق جسد سليمان الملقى على وجهة على الأرض فأختلطت صرخة سليمان التى وصلت عنان السماء بصوت طقطقة عنيفة عرفنا بعدها انها كانت صادرة من ضلوع سليمان وظهره وعظامه التى تهشمت تحت كتلة الفحل

انشغل اهل الحارة بنقل سليمان للمستشفى القريب ولم يعر احد أهتماماٌ للفحل وكانوا يتعاملون معة كظاهرة طبيعية وأعتبروا ان ما حدث لسليمان مجرد حادث كأى حادث سيارة أو سقوط جزء من شرفة قديمة
على احد المارة (وكان ذلك يحدث كثيرا ) ، حتى ان احد منهم لم يوبخ الفحل بأى كلام

قضى سليمان بالمستشفى ستة اشهر خرج بعدها قعيدا بعد ان حطمت قفزة الفحل فقرات من ظهرة وكان أهل الحارة وكبارها كثيرا ما يزورونه ويتحدثون فى امر الفحل وذهب كبار الحارة الى ان الفحل عبيط ولكنة يمكن ان يكون مؤذياٌ بكتلته المهيبة ، ولذلك فليس من الحكمة اغضابه ويكفى ما حدث لسليمان المسكين كما ان الفحل فى النهاية مجرد عبيط

...............................................................................

ها انا الأن عمرى يناهز الأربعين ولم تعد حارتنا كسابق عهدها ، يحكم الأن الحارة وعدد من الحارات المجاورة بقبضة من حديد "سيد الفحل "
لا احد يذكر تحديداٌ متى حدث ذلك او كيف ولا احد حتى يجرؤ على أثارة حديث كهذا

لم نعد نرى الفحل كثيرا وقد بلغ من العمر أرذله ، ولكن اعوانة ملئوا الحارة والحارات المجاورة ، اذ كان كثيرا من البلطجية والفتوات فى عهد ماضى سعوا فى الأرض فساداٌ وكانوا يصرحون بولائهم للفحل وعملهم تحت امرته

كانت جدتى- رحمها الله - تقول ان المثل القائل "ساق الهبالة على الشيطنة" لم يكن يعرف قبل ظهور الفحل فى الحارة

حارتى والحارات المجاورة لم يعد احد يذكر اسماؤها القديمة سوى العجائز ، نتذكر هذه الأسماء فقط عندما نراها فوق بعض المراسلات القادمة من أبناء الحارة الغائبين بالخليج فتطمئن القلوب الى ان أحد ما لازال يعرف حارتنا كما عرفناها

لكننى لازلت اذكر جيدا يوم أن أتانى عم جمعة البوسطجى بخطاب التنسيق الذى يرشحنى للألتحاق بكلية الحقوق ، اخطتفت الخطاب فرحا من يد عم جمعة الذى ظل يردد "الحلاوة اولاٌ " ، وقرأت على المظروف :
"5عطفة أبو زيد - أرض الفحل"

واكتسب الفحل الشرعية اللازمة